نشرت هذا الشهر دراسة بعنوان” إشكالية الصورة الذهنية لمصر.. جدل البطل الشعبي والبطل المضاد.. فترة ما بعد 2011م أنموذجا”، للدكتور حاتم الحوهري أستاذ النقد والدراسات الثقافية المنتدب بالجامعات المصرية، والمشرف على المركز العلمي للكتاب بهيئة الكتاب، وذلك في العدد الرابع من مجلة “حروف الضاد” الفصلية التي تصدر من فلسطين ويرأس تحريرها د.محمد حلمي الريشة، عدد صيف 2022م، وهي دراسة شديدة الأهمية في موضوعها إذا تتناول موضوع القوة الناعمة لمصر من زاوية مغايرة وجديدة تماما.
فإذا كانت القوة الناعمة المرتبطة بالفنون والصورة الذهنية التي تتركها عند الآخرين للشخصية القومية المصرية، ومدى تعلقهم بها ترتبط بالفنون وتحديدا بالدراما والسينما والأغاني، فإن حاتم الجوهري وضع يده على إشكالية الصورة الذهنية لمصر في فترة ما بعد 2011م من خلال صورة البطل الشعبي التي تناولاتها الأعمال الفنية والسينمائية في تلك الفترة، واتسمت دراسة الجوهري بقدرتها على تقديم خطاب ورؤية جديدة يتجاوزان التناقضات التي ارتبطت بالنسق القيمي الذي طرحته صورة البطل الشعبي في تلك الفترة، من خلال ما أسماه فلسفة “المشترك المجتمعي” واستعادتها.
كما أشارت الدراسة إلى أن هذه الصورة الذهنية للبطل الشعبي لا تؤثر على القوة الناعمة لمصر خارجيا في محيطها العربي فقط، إنما قالت أنها تؤثر داخليا أيضا حيث رأت أنه: تؤثر الصورة النمطية أو التكرارية للبطل في المجال العام على تصور جموع الناس ومفهومهم عن أنفسهم وعن البطل القومي المعبر عنهم أو ما يمكن تسميته بـ”صورة الذات”، وترى الدراسة أن الصورة الذهنية لمصر قد تضررت بشدة خارجيا وداخليا في الفترة الماضية من خلال تكرارية تقديم “البطل المضاد” وتحويله إلى الشخصية النمطية التي تقفز للذهن مباشرة عند الحديث عن مصر.
من ثم اهتمت الدراسة بتناول الأسباب الكامنة وراء صعود هذه الصورة والبحث في كيفية تجاوزها، وتقديم صورة ذهنية جديدة تعبر عن صورة البطل الشعبي القيمي الذي يجتمع حوله الناس، بما يعيد إصلاح الصورة الذهنية لمصر كقوة ناعمة خارجيا وكقوة ذاتية دافعة داخليا، وتحديدا إشكاليات هذه الصورة وتأثيراتها العامة في فترة ما بعد عام 2011م وحتى اللحظة الراهنة، من خلال الحاصل في الفن الدرامي والسينمائي والغنائي، والجدل حول ظاهرة “صورة البطل الشعبي” القيمي التاريخي وتدافعه حضورا أو غيابا مع صورة البطل الشعبي المضاد والمشوه التي صعدت في تلك الفترة، مثيرة الكثير من الرفض والاستنكار العام بين الناس.
ووصلت الدراسة لمركز مشروعها الناعم البديل عندما طرحت فرضية بديلة بوصفها تهتم بالدراسات الإنسانية باعتبارها دراسات مستقبلية لحل الإشكالية التي تناولتها، وهذه الفرضية تقوم على فلسفة استعادة “المشترك المجتمعي” الغائب في المجتمع المصري، وضرورة الاكتفاء بهذا القدر من تفجير التناقضات التي وصلت إلى مستوى حرج من الخطورة على السلم الاجتماعي، بسبب الترويج لصورة البطل الشعبي المضاد المشوه في السينما والدراما والمجال الأغنائي
واتبعت الدراسة منهج “البحث الثقافي” الذي ينظر في الأنساق القيمية الكامنة والمضمرة التي تحملها الأعمال الفنية التي تناولتها، ولكنها لا تنتصر لمنهج “الدراسات الثقافية” التقليدي الذي نشأ في أوربا وتأثر به العالم العربي والانتصار لفكرة الهوامش وتمثلاتها، بل على العكس تستعيد هذه الدراسة –فق تصورها- الوجهة الصحيحة لـ”البحث الثقافي” عبر الانتصار لـ”قيم المتون” الحضارية التاريخية، وبحثها عن تمثلاتها داخل القاعدة الشعبية وتعبيرها عنها، من خلال فلسفة “المشترك المجتمعي” كحالة معرفية عامة و”قيمة عليا” تقف الدراسة في صفها في القرن الحادي والعشرين، لمحاولة تجاوز “المسألة الأوربية” وهيمنتها المعرفية باتجاه نماذج معرفية أكثر تعبيرا عن الذات العربية وواقعها الخاص.
هذا وقد تناولت الدراسة فكرتها وفرضياتها في ستة مباحث هي: البطل المضاد/ المتكيف ونظرية الفن فى الدراما المصرية- تيه البطل الشعبي فيما قبل 2011م مباشرة- الصورة المركزية للبطل المضاد بعد الثورة.. محمد رمضان نموذجا- البطل المضاد في الأغنية الشعبية- العنف وتطويب البطل المضاد.. مسلسل رحيم أنموذجا- ما بعد مسلسل الاختيار والفرصة البديلة لصورة البطل الشعبي.