صدر للدكتور/ نبيل حمدي الشاهد، عن دار غراب للنشر والتوزيع كتاب “المناظرة بين الأرشفة المعلوماتية .. والتأطير الحكائي .. دراسة وتحقيق لـ”قصة الْحجَّاج الثَّقَفِيّ مع مُحَمَّد بْنِ الحَنَفِيَّة على التمام والكمال”.
وتقوم مادة الكتاب على تحقيق مخطوط “قصة الْحجَّاج الثَّقَفِيِّ مع مُحَمَّدَ بْن الحَنَفِيَّة على التمام والكمال” بعده أصلًا، مع الاستعانة بأربع نسخ فرعية، قابلها المؤلف عليه، لعقد المقارنة والتوثيق، إضافة لمقارنتها بنص “حكاية تودّد الجارية” كما وردت في النص الألفليلي، لإظهار النص على أكمل صورة أرادها ناسخها، ولمحاولة الوصول لرصد عمليات التحوير والتغيير التي طالت الحكاية، عبر رحلة التطور التي وصلت إليها، بداية من النواة المركزية للحكاية في الأساطير المعتمدة تقنية السؤال والجوال، ثم انتقالًا للعب الأحاجي والفوازير لحفظ المعلومات وتنمية المهارات، وصولًا للشكل القصصي المتحور لاعتبارات سياسية ومذهبية، ثم بقرارها منضمة عقب اكتمالها، مشابهة لأخواتها في سِفر الليالي، ثم باستلهامات الكتّاب في عصرنا لهذه التقنيات وإعادة استخدامها عبر تنويعات متماسة مع الأصل، الذي يبدو أنه صار أثيرًا بعبقه، وملهمًا بابتكاريته، خاصة وأن كتابه عاصروا النقلة النوعية بين الشفاهية والكتابية كمرحلة متوارثة، ثم بمعاصرتهم للنقلة النوعية عبر ظهور الوسيط التكنولوجي وهندسة الاتصالات، التي أفرزت: الأقمار الصناعية، الكمبيوتر، الهواتف النقالة بأجيالها المتعاقبة، الواي فاي، البرمجيات الوسيطة للقراءة والكتابة، برامح التواصل الاجتماعي، وغيرها مما هو قائم أو لما سيستجد تطويرًا وتنويعًا.
وقد نوه المؤلف لأن ما جمعه من نسخ الحكاية، لا يعني سوى ما استطاع الحصول عليه، وتوصل إليه، وهو لا يعني أبدًا أنها كل نسخ الحكاية، إذ من المحتمل أن لهذه الحكاية نسخًا خطية مازالت محفوظة في المتاحف العامة، والمكتبات الخاصة، ولذلك فإن للحكاية تنويعات متعددة، وروايات شفاهية، وأخرى كتابية، مازالت منتشرة في جنوب العراق، وكذا مناطق الشرق الأقصى، وخاصة المناطق التي يسود فيها المذهب الشيعي، وهو ما يدفع لطلبها، ويحفّز لجمعها، ويدعو لتوثيقها، ثم لتحقيقها ونشرها، لمتابعة مراحل تطور الحكاية نفسها، ثم لمتابعة التغييرات التي طالتها عبر الأزمان والأماكن.
تصور المناظرة على شكل حكاية لها بداية ووسط ونهاية من خلال بطل يحاول التغلب على مناوئة بمساعدة شخصيات تؤطر الحكاية في فضاء زمكاني محدد، ثم ينتقل البطل، عبر حالة الافتقار الملازمة لوضعية البداية، من الاختبار الترشيحي وصولًا للاختبار التمجيدي، في انزواء كبير للمقاطع السردية، لحساب الباب المفتوح؛ لتطابق زمن الحكاية مع زمن القصة في تقنية المشهد.
تبدأ استراتيجيات الخطاب الحجاجي بنزعة استعلاء سياسي، تؤكده غلبة الحجاج بن يوسف على أرض الواقع، بفرض سيطرته المعروفة عنه، وهي السيطرة التي حاولت هذه الهيمنة بسط نفوذها العلمي؛ لدعم الأحقية في الحكم الأموي، ولكنها انتهت بإعلان الاستسلام، وخسران البيان، وفقد آليات الإقناع والبرهان، في إشارة دالة لما سيؤول إليه الحال، بخسران المُلك ذاته فيما بعد؛ فمن يخسر الحجة، سيخسر الأرض بالتبعية.
ويحاول النص من خلال اتكائه على شكل المناظرة، تقديم معارف ومعلومات، تتعلق بالأماكن، وما أشتهر عنها من أحوال، وعن سكانها وما عرف عنهم من عادات وصفات، ويتبع ذلك الأسئلة عن القرآن وما فيه من متشابهات تتعلق بآياته طولًا وقصرًا وحكمًا، ثم السؤال عن آيات الرجاء والخوف والعدل والعظمة، وما يتفرع عنها من أسئلة خاصة، بما قيل على لسان البشر وإبليس وأهل الجنة والنار، تصديقًا وتكذيبًا.
ويتبع ذلك السؤال عن القبائل وسكانها، وما عرفت به من صفات وأفراد، ثم الانتقال للحديث عن الحواس والأعضاء الجسمية، ووظائفها البيولوجية والنفسية، وكذلك الحديث عن الحيوانات وما يتعلق بها من مفاهيم عن الأصوات والحيوات، ثم الحديث عن خلق السموات والأرض وتراتبها في المكان أو المكانة، ولذلك لا يخلو الأمر على طول المقاطع من التفاخر والسخرية، مع بعض المشاهد الفكاهية، لكسر الخصم نفسيًا وهو يتلقى الضربات لإسكاته ومن ثما إعلان هزيمته.
تتحرك المناظرة على شكل حوار متصل، يتدفق عبر حلقات يسلم بعضها للبعض من البداية وحتى النهاية، ويتخلل هذا الحوار الطويل مقاطع سردية تعمل على شكل محطات، لتعطى المناظرة شكل الحكاية الدرامية التي يبغى مؤلفها الضمني نفث المتعة، عبر رسالة تحمل قيم التعليم والتهذيب والتربية، وتعد هذه المحطات مناطق راحة تتحرك فيها الشخصيات، لتحظى بمساحة ظهور، تمكنها من أداء دورها القصصي المحصور في الحسرة على الفتى الذى ينازع الموت، والتشفع له أمام الحجاج بن يوسف ليهبه مزيدًا من الوقت، ليقدم علمه وثقافته قربانًا لحياته.
وللدكتور/ نبيل حمدي الشاهد، العديد من الكتب النقدية التي تهتم بدراسة الادب والنقد ومنها:
1. العجائبي في السرد العربي القديم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2، 2017.
2. بنية السرد في القصة القصيرة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط2، 2016.
3. دراسة وتقديم لرواية زينب فواز (رواية الملك كورش)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2013.
4. السرد بين الماهية والهوية .. قراءات في نصوص سردية، مؤسسة الوراق للطبع والنشر، الأردن،2015.
5. حكاية المختطف عن ألف ليلة وليلة.. من النص الديني إلى الأدب الشعبي، القاهرة، عالم الكتب،2020.
6. التطور والارتقاء .. من الإعجازي للعجائبي.. دراسة في سرديات الاعجاز.. وتحقيق لحكايات شعبية مجهولة، القاهرة، عالم الكتب،2021.